الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المختار للفتوى ***
ويجب بقذف الزوجة بالزنا أو بنفي الولد إذا كان من أهل الشهادة وهي ممن يحد قاذفها وطالبته بذلك، فإن امتنع منه حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد، فإذا لاعن وجب عليها اللعان، وتحبس حتى تلاعن أو تصدقه، وإذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة فعليه الحد، وإن كان من أهل الشهادة وهي ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه ولا لعان ويعزر. وصفة اللعان أن يبتدىء القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتك به من الزنا؛ وإن كان القذف بولد يقول: فيما رميتك به من نفي الولد. وإن كان بهما يقول: فيما رميتك به من الزنا ومن نفي الولد. ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا، وفي نفي الولد تذكره؛ فإذا التعنا فرق الحاكم بينهما، فإذا فرق بينهما كانت تطليقةً بائنة، فإن كان القذف بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه، وإذا قال: حملك ليس مني فلا لعان. ويصح نفي الولد عقيب الولادة وفي حالة التهنئة وابتياع آلة الولادة فيلاعن وينفيه القاضي، وبعد ذلك يثبت نسبه ويلاعن، وإن كان غائبًا فعلم فكأنها ولدت حال علمه؛ ومن ولدت ولدين في بطن واحد فاعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن، وإن عكس فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما وحد.
عدة الحرة التي تحيض في الطلاق والفسخ بعد الدخول ثلاث حيض، والصغيرة والآيسة ثلاثة أشهر؛ وعدتهن في الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ وعدة الأمة في الطلاق حيضتان، وفي الصغر والإياس شهر ونصف؛ وعدتها في الوفاة شهران وخمسة أيام؛ وعدة الكل في الحمل وضعه؛ ولا عدة في الطلاق قبل الدخول، ولا على الذمية في طلاق الذمي؛ وعدة أم الولد من موت سيدها والإعتاق ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر؛ والعدة في النكاح الفاسد والوطء بشبهة بالحيض في الموت والفرقة؛ وعدة امرأة الفار أبعد الأجلين في البائن وعدة الوفاة في الرجعي؛ ولو أعتقت الأمة في العدة من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر وفي البائن لا، ولو اعتدت الآيسة بالأشهر ثم رأت الدم بعد ذلك أو الصغيرة ثم رأته في خلال الشهر استأنفت بالحيض؛ ولو اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم أيست استأنفت بالشهور. وابتداء عدة الطلاق عقيبه والوفاة عقيبها، وتنقضي بمضي المدة وإن لم تعلم بهما؛ وابتداء عدة النكاح الفاسد عقيب التفريق أو عزمه على ترك الوطء، وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة وأخرى ويتداخلان، فإن حاضت حيضة ثم وطئت كملها بثلاث آخر، وأقل مدة العدة شهران، ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض، وعلى المعتدة من نكاح صحيح عن وفاة أو طلاق بائن إذا كانت بالغةً مسلمةً حرةً أو أمةً الحداد، وهو ترك الطيب والزينة والكحل والدهن والحناء إلا من عذر؛ ولا تخرج المبتوتة من بيتها ليلًا ولا نهارًا، والمعتدة عن وفاة تخرج نهارًا وبعض الليل وتبيت في منزلها، والأمة تخرج لحاجة المولى في العدتين في الوقتين جميعًا، وتعتد في البيت الذي كانت تسكنه حال وقوع الفرقة إلا أن ينهدم أو تخرج منه أو لا تقدر على أجرته فتنتقل.
أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان، وإذا أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه، ولستة أشهر لا؛ ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية وإن جاءت به لأكثر من سنتين ما لم تقر بانقضاء العدة؛ فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت ويثبت النسب ولا يصير مراجعًا، وإن جاءت به لسنتين أو أكثر كان رجعة، ويثبت نسب ولد المبتوتة والمتوفي عنها زوجها لأقل من سنتين، ولا يثبت لأكثر من ذلك إلا أن يدعيه؛ ولا يثبت نسب ولد المعتدة إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، أو حبل ظاهر، أو اعتراف الزوج، أو تصديق الورثة؛ ولا يثبت نسب ولد المطلقة الصغيرة رجعيةً كانت أو مبتوتةً إلا أن تأتي به لأقل من تسعة أشهر، وفي عدة الوفاء لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام بساعة، ولو قال لها: إن ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة بالولادة لم تطلق، وإن اعترف بالحبل تطلق بمجرد قولها، ولو قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت امرأة بالولادة فهي أم ولده.
وتجب للزوجة على زوجها إذا سلمت إليه نفسها في منزله نفقتها وكسوتها وسكناها نعتبر بقدر حاله، وهو مقدر بكفايتها بلا تقتير ولا إسراف، ويفرض لها نفقة كل شهر وتسلم إليها، وللكسوة كل ستة أشهر، ويفرض لها نفقة خادم واحد؛ فإن نشزت المرأة فلا نفقة لها، وإن منعت نفسها حتى يوفيها مهرها فلها النفقة، ولو كانت كبيرة والزوج صغير فلها النفقة، وبالعكس لا، ولو كانا صغيرين فلا نفقة لها؛ ولو حجت أو حبست بدين أو غصبها غاصب فذهب بها فلا نفقة لها، وإن حج معها فلها نفقة الحضر؛ وإن مرضت في منزله فلها النفقة؛ وللأمة والمدبرة وأم الولد النفقة إن بوأها مولاها بيت الزوج وإلا فلا؛ فإن بوأها ثم استخدمها سقطت؛ ومن أعسر بالنفقة لم يفرق بينهما وتؤمر بالاستدانة؛ وإذا قضي لها بنفقة الإعسار ثم ايسر تمم لها نفقة الموسر؛ وإذا مضت مدة ولم ينفق عليها سقطت، إلا أن يكون قضي بها أو صالحته على مقدارها، فإن مات أحدهما بعد القضاء أو الاصطلاح قبل القبض سقطت، وإن أسلفها النفقة أو الكسوة ثم مات أحدهما لم يرجع بشيء؛ وإذا كان للغائب مال حاضر في منزله أو وديعة أو مضاربة أو دين وعلم القاضي به وبالنكاح، أو اعترف بهما من المال في يده يفرض فيه نفقة زوجته ووالديه وولده الصغير، وهذا إذا كان المال من جنس النفقة ويحلفها أنها ما أخذتها ويأخذ منها كفيلًا بها؛ وإن لم يعلم القاضي بذلك وأنكر من في يده المال الزوجية أو المال لم تقبل بينتها عليه؛ وعليه أن يسكنها دارًا مفردةً ليس فيها أحد من أهله، وله أن يمنع أهلها وولدها من غيره الدخول عليها، ولا يمنعهم كلامها والنظر إليها، ولا يمنعهما من الدخول إليها كل جمعة وغيرهم من الأقارب كل سنة. وللمطلقة النفقة والسكنى في عدتها بائنًا كان أو رجعيًا، ولا نفقة للمتوفي عنها زوجها؛ وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية كالردة وتقبيل ابن الزوج فلا نفقة لها؛ وإن جاءت بغير معصية كخيار العتق والبلوغ وعدم الكفاءة فلها النفقة، وإن كانت من جهة الزوج فلها النفقة بكل حال، وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت سقطت النفقة، وإن مكنت ابن زوجها لم تسقط.
ونفقة الأولاد الصغار على الأب إذا كانوا فقراء، وليس على الأم إرضاع الصبي إلا إذا تعينت، فيجب عليها، ويستأجر الأب من ترضعه عندها، فإن استأجر زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، وبعد انقضاء العدة هي أولى من الأجنبية إلا أن تطلب زيادة أجرة؛ ونفقة الآباء والأجداد إذا كانوا فقراء على الأولاد الذكور والإناث؛ ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة وقرابة الولاد أعلى وأسفل، ونفقة ذي الرحم سوى الوالدين والولد تجب على قدر الميراث، وإنما تجب إذا كان فقيرًا به زمانة لا يقدر على الكسب، أو تكون أنثى فقيرةً، وكذا من لا يحسن الكسب لخرقه أو لكونه من البيوتات، أو طالب علم، ونفقة زوجة الأب على ابنه، ونفقة زوجة الابن على أبيه إن كان صغيرًا فقيرًا أو زمنًا، ولا تجب النفقة على فقير إلا للزوجة والولد الصغير، والمعتبر الغنى المحرم للصدقة؛ وإذا باع الأب متاع ابنه في نفقته جاز، ولو أنفق من مال له في يده جاز، وإذا قضى القاضي بالنفقة ثم مضت مدة سقطت إلا أن يكون القاضي أمر بالاستدانة عليه، وعلى المولى أن ينفق على رقيقه، فإن امتنع اكتسبوا وأنفقوا، وإن لم يكن لهم كسب أجبر على بيعهم، وسائر الحيوانات يجبر فيما بينه وبين الله تعالى.
وإذا اختصم الزوجان في الولد قبل الفرقة أو بعدها فالأم أحق، ثم أمها ثم أم الأب ثم الأخت لأبوين ثم لأم ثم لأب، ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك أيضًا، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ، وهن أولى من العمات، ومن لها الحضانة إذا تزوجت بأجنبي سقط حقها، فإن فارقته عاد حقها، والقول قول المرأة في نفي الزوج، ويكون الغلام عندهن حتى يستغني عن الخدمة، وتكون الجارية عند الأم والجدة حتى تحيض وعند غيرهما حتى تستغني، وإذا لم يكن للصغير امرأة أخذه الرجال، وأولاهم أقربهم تعصيبًا، ولا تدفع الصبية إلى غير محرم، ولا إلى محرم ماجن فاسق؛ وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة واحدة فأورعهم أولى ثم أكبرهم، ولا حق للأمة وأم الولد في الحضانة؛ والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يخف عليه الكفر؛ وليس للأب أن يخرج بولده من بلده حتى يبلغ حد الاستغناء، وليس للأم ذلك إلا أن تخرجه إلى وطنها وقد وقع العقد فيه، إلا أن يكون تزوجها في دار الحرب وهو وطنها.
ولا يقع إلا من مالك قادر على التبرعات. وألفاظه: صريح، وكناية. فالصريح يقع بغير نية، وهو قوله: أنت حرن أو محرر، أو عتيق أو معتق، وأعتقتك، أو حررتك، وهذا مولاي، أو يا مولاي، أو هذه مولاتي، ويا حر، ويا عتيق، إلا أن يجعل ذلك اسمًا له فلا يعتق؛ وكذلك إضافة الحرية إلى ما يعبر به عن البدن. والكنايات تحتاج إلى النية، وذلك مثل قوله: لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، ولا رق، وخرجت من ملكي؛ وكذلك لو قال لأمته: أطلقتك، ولو قال طلقتك لا تعتق وإن نوى؛ وإن قال: هذا ابني أو أبي أو أمي عتق، ولو قال: هذا أخي لم يعتق، ولو قال: يا ابني أو يا أخي لم يعتق، ولو قال: أنت مثل الحر لم يعتق، ولو قال: ما أنت إلا حر عتق، ولو قال: لا سلطان لي عليك لم يعتق وإن نوى؛ وعتق المكره والسكران واقع. ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه، ولو كان المالك صبيًا أو مجنونًا، والمكاتب يتكاتب عليه قرابة الولاد لا غير؛ ومن أعتق عبده للصنم أو للشيطان عتق وكان عاصيًا؛ ومن أعتق حاملًا عتق حملها معها، وإن أعتق حملها عتق خاصةً؛ والولد يتبع الأم في الحرية والرق والتدبير، وولد الأمة من مولاها حر، وولد المغرور حر بالقيمة، ومن أعتق عبده على مال فقبل عتق ولزمه المال؛ وإن قال: إن أديت إلي ألفًا فأنت حر صار مأذونًا ويعتق بالتخلية بينه وبين الألف، وله أن يبيعه قبل أداء المال. ومن أعتق بعض عبده عتق وسعى في بقية قيمته لمولاه، والمستسعى كالمكاتب، ولو أعتق أحد الشريكين نصيبه عتق، فإن كان قادرًا على قيمة نصيب شريكه فاضلًا عن ملبوسه، وقوت يومه وعياله، فشريكه إن شاء أعتق، وإن شاء دبر، وإن شاء كاتب، وإن شاء ضمن المعتق، وإن شاء استسعى العبد؛ وإن كان معسرًا فكذلك إلا أنه لا يضمن. وإذا اشتريا ابن أحدهما عتق نصيب الأب، وشريكه إن شاء أعتق وإن شاء استسعى علم أو لم يعلم، ولو قال لعبديه: أحدكما حر ثم باع أحدهما أو عرضه على البيع أو دبره أو مات عتق الآخر، وكذا إذا استولد إحدى الجاريتين، ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم وطىء إحداهما لا تعتق الأخرى ولو شهد أنه أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه فهي باطلة.
وإذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر، أو قد دبرتك، أو أنت حر مع موتي، أو عند موتي، أو في موتي، أو أوصيت لك بنفسك أو برقبتك، أو بثلث مالي، فقد صار مدبرًا، وتجوز كتابته؛ وإذا ولدت المدبرة من مولاها صارت أم ولد له وسقط عنها التدبير ولا تسعى في شيء أصلًا، وله استخدامها وإجارتها ووطؤها، وكسبها وأرشها للمولى؛ وإذا مات المولى عتق من ثلث ماله، فإن لم يخرج فبحسابه؛ وإن كان على المولى دين سعى في كل قيمته؛ ولو دبر أحد الشريكين وضمن نصف شريكه ثم مات عتق نصفه بالتدبير وسعى في نصفه؛ وإن قال له: إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا، أو إن مت إلى عشرين سنةً فهو تعليق يجوز بيعه، فإن مات على تلك الصفة عتق.
لا يثبت نسب ولد الأمة من مولاها إلا بدعواه، فإذا اعترف به صارت أم ولده، فإذا ولدت منه بعد ذلك ثبت بغير دعوة، وينتفي بمجرد نفيه بغير لعان، ولا يجوز إخراجها من ملكه إلا بالعتق، وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وكتابتها، وتعتق بعد موته من جميع المال، ولا تسعى في ديونه؛ وحكم ولدها من غيره بعد الاستيلاد حكمها؛ وإذا أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها وهي كالمكاتبة، ولو مات سيدها عتقت بلا سعاية؛ ولو تزوج أمة غيره فجاءت بولد ثم ملكها صارت أم ولد له؛ ولو وطىء جارية ابنه فولدت وادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها دون عقرها وقيمة ولدها، والجد كالأب عند انقطاع ولايته. جارية بين اثنين ولدت فادعاه أحدهما ثبت نسبه، وعليه نصف قيمتها ونصف عقرها ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وإن ادعياه معًا صارت أم ولد لهما ويثبت نسبه منهما، وعلى كل واحد منهما نصف عقرها، ويرث من كل واحد منهما كابن، ويرثان منه كأب واحد.
ومن كاتب عبده على مال فقبل صار مكاتبًا، والصغير الذي يعقل كالكبير، وسواء شرطه حالًا أو مؤجلًا أو منجمًا، وإذا صحت الكتابة يخرج عن يد المولى دون ملكه. وإذا أتلف المولى ماله غرمه، وإن وطىء المكاتبة فعليه عقرها، ولو جنى عليها أو على ولدها لزمه الأرش؛ وإن أعتق المولى المكاتب نفذ عتقه وسقط عنه مال الكتابة، وهو كالمأذون في جميع التصرفات، إلا أنه لا يمتنع بمنع المولى، وله أن يسافر ويزوج الأمة ويكاتب عبده، فإن أدى قبله فولاؤه للمولى، وإن أدى الأول قبله فولاؤه له، وإن ولد له من أمته ولد فحكمه كحكمه وكسبه له، وكذلك ولد المكاتبة معها. ولو زوج أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت دخل في كتابة الأم، وإن ولدت من مولاها إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت صارت أم ولد له وعجزت نفسها، وإن كاتب أم ولده جاز، فإذا مات سقط عنها مال الكتابة، وإن كانت مدبرةً جاز، فإن مات المولى ولا مال له إن شاء سعى في ثلثي قيمته أو جميع بدل الكتابة. وإذا كاتب المسلم عبده على خمر، أو خنزير، أو على قيمة العبد، أو على ألف على أن يرد إليه عبدًا بغير عينه فهو فاسد، فإن أدى الخمر عتق، وإذا عتق بأداء الخمر فعليه قيمة نفسه لا ينقص عن المسمى ويزاد عليه، وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة. والكتابة على الدم والميتة باطلة، وعلى الحيوان والثوب كالنكاح ولو كاتب الذمي عبده على خمر جاز، وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر. ولو كاتب عبديه كتابةً واحدةً إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا إلى الرق، ولا يعتقان إلا بأداء الجميع، ولا يعتق أحدهما بأداء نصيبه، فإن عجز أحدهما فرد إلى الرق ثم أدى الآخر جميع الكتابة عتقًا، ولو كانا لرجلين فكاتباهما كذلك فكل واحد منهما مكاتب بحصته يعتق بأدائها، وإن كاتبهما على أن كل واحد منهما ضامن عن الآخر جاز، فأيهما أدى عتقًا، ويرجع على شريكه بنصف ما أدى. وإذا مات المكاتب وترك وفاءً أديت مكاتبته وحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق أولاده، فإن فضل شيء فلورثته، فإن لم يترك وفاءً وترك ولدًا ولد في الكتابة سعى كالأب؛ وإن ترك ولدًا مشترىً فإن أدى الكتابة حالًا وإلا رد في الرق، وإذا مات المولى أدى الكتابة إلى ورثته على نجومه، وإن أعتقه أحدهم لم يعتق، وإن أعتقوه جميعًا عتق، وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم، فإن كان له مال يرجو وصوله أنظره يومين أو ثلاثةً ولا يزاد عليها، وإن لم يكن له جهة عجزه وعاد إلى أحكام الرق.
وهو نوعان: ولاء عتاقة، وولاء موالاة؛ وسبب ولاء العتاقة الإعتاق، وعتق القريب بالشراء، والمكاتب بالأداء، والمدبر، وأم الولد بالموت إعتاق، ويثبت للمعتق ذكرًا كان أو أنثى، وإن شرطه لغيره أو سائبةً ولا ينتقل عنه أبدًا، فإذا مات فهو لأقرب عصبته فيكون لابنه دون أبيه إذا اجتمعا، وإن استووا في القرب فهم سواء، وليس للنساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو أعتق من أعتقن أو جر ولاء معتقهن بأن زوجت عبدها معتقة الغير فولدت فولاؤه لموالي الزوجة. وسبب ولاء الموالاة العقد. وصورته: إذا أسلم على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه فقال: أنت مولاي ترثني إذا مت، وتعقل عني إذا جنيت فيقبل الآخر فذلك صحيح، فإذا مات ولا وارث له ورثه، وله أن يفسخ عقد الولاء بالقول والفعل، فإن عقل عنه أو عن ولده ليس له ذلك، وإذا أسلمت المرأة ووالت أو أقرت بالولاء وفي يدها ابن صغير تبعها في الولاء.
اليمين بالله تعالى ثلاثة: غموس، وهي الحلف على أمر ماض أو حال يتعمد فيها الكذب فلا كفارة فيها. ولغو: وهي الحلف على أمر يظنه كما قال وهو بخلافه، فنرجو أن لا يؤاخذه الله بها. ومنعقدة: وهي الحلف على أمر في المستقبل ليفعله أو يتركه، وهي أنواع: منها ما يجب فيه البر كفعل الفرائض ومنع المعاصي، ونوع يجب فيه الحنث كفعل المعاصي وترك الواجبات، ونوع الحنث فيه خير من البر كهجران المسلم ونحوه، ونوع هما على السواء، فحفظ اليمين فيه أولى، وإذا حنث فعليه الكفارة: إن شاء أعتق رقبةً، وإن شاء أطعم عشرة مساكين أو كساهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات، ولا يجوز التكفير قبل الحنث، والقاصد والمكره والناسي في اليمين سواء.
وحروف القسم: الباء، والواو، والتاء؛ وتضمر الحروف فتقول: الله لا أفعل كذا؛ واليمين بالله تعالى وبأسمائه، ولا يحتاج إلى نية إلا فيما يسمى به غيره كالحكيم والعليم، وبصفات ذاته كعزة الله وجلاله، إلا وعلم الله فلا يكون يمينًا، وكذلك ورحمة الله وسخطه وغضبه؛ والحلف بغير الله تعالى ليس بيمين كالنبي والقرآن والكعبة، والبراءة منه يمين، وحق الله ليس بيمين، والحق يمين؛ ولو قال: إن فعلت كذا فعليه لعنة الله، أو هو زان أو شارب خمر فليس بيمين، ولو قال: هو يهودي أو نصراني فهو يمين، ولو قال: لعمر الله، أو وايم الله، أو وعهد الله، أو وميثاقه، أو على نذر، أو نذر الله فهو يمين؛ ولو قال: أحلف، أو أقسم، أو أشهد، أو زاد فيها ذكر الله تعالى فهو يمين؛ ومن حرم على نفسه ما يملكه فإن استباحه أو شيئًا منه لزمته الكفارة، ولو قال: كل حلال على حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غيرهما، ومن حلف حالة الكفر لا كفارة في حنثه؛ ومن قال: إن شاء الله متصلًا بيمينه فلا حنث عليه.
حلف لا يخرج، فأمر رجلًا فأخرجه حنث، وإن أخرجه مكرهًا لا يحنث. حلف لا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجةً أخرى لم يحنث. حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث؛ وكذلك الذهاب في الأصح، وفي الإتيان لا يحنث حتى يدخلها. حلف لا تدخل امرأته إلا بإذنه فلا بد من الإذن في كل مرة؛ ولو قال: إلا أن آذن لك يكفيه إذن واحد. حلف لا يدخل هذه الدار فصارت صحراء ودخلها حنث؛ ولو قال: دارًا لم يحنث، وفي البيت لا يحنث في الوجهين. حلف لا يدخل بيتًا لم يحنث بالكعبة والمسجد والبيعة والكنيسة. حلف لا يدخل هذه الدار فقام على سطحها حنث، ولو دخل دهليزها إن كان لو أغلق الباب كان داخلًا حنث وإلا فلا، ولو كان في الدار لم يحنث بالقعود.
حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه للحال لم يحنث، وإن لبث ساعة حنث، وكذلك ركوب الدابة وسكنى الدار. حلف لا يسكن هذه الدار فلا بد من خروجه بأهله ومتاعه أجمع. قال له: اجلس فتغد عندي، فقال: إن تغديت فعبدي حر، فرجع وتغدى في بيته لم يحنث. ولو أرادت الخروج فقال لها: إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم تطلق، ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده المأذون لم يحنث مديونًا كان أو غير مديون. حلف لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح أو هلل لم يحنث. حلف لا يكلمه شهرًا فمن حين حلف. حلف لا يكلمه فكلمه بحيث يسمع إلا أنه نائم حنث، ولو كلم غيره وقصد أن يسمع لم يحنث؛ ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث، وإن نواهم دونه لم يحنث. حلف لا يكلم عبد فلان يعتبر ملكه يوم الحنث لا يوم الحلف، وكذا الثوب والدار؛ ولو قال: عبد فلان هذا، أو داره هذه لا يحنث بعد البيع، وفي الصديق والزوج والزوجة يحنث بعد المعاداة والفراق.
الحين والزمان: ستة أشهر في التعريف والتنكير. والدهر: الأبد؛ ودهرًا قال أبو حنيفة: لا أدري ما هو، والأيام والشهور والسنون عشرة، وفي المنكر ثلاثة. حلف لا يأكل من هذه الحنطة لا يحنث ما لم يقضمها ومن هذا الدقيق يحنث بخبزه دون سفه؛ والخبز ما اعتاده أهل البلد، والشواء من اللحم؛ والطبيخ ما يطبخ من اللحم بالماء، ويحنث بأكل مرقه، والرءوس: ما يكبس في التنانير ويباع في السوق، والرطب والعنب والرمان والخيار والقثاء ليس بفاكهة، والإدام ما يصطبغ به: كالخل والزيت والملح، والغداء: من طلوع الفجر إلى الظهر، والعشاء: من الظهر إلى نصف الليل، والسحور: من نصف الليل إلى طلوع الفجر، والشرب من النهر: الكرع منه. ولو حلف لا يشرب من الحب أو البئر يحنث بالإناء، والسمك والألة ليسا بلحم، والكرش والكبد والرئة والفؤاد والكلية والرأس والأكارع والأمعاء والطحال لحم، والشحم شحم البطن. حلف لا يأكل من هذا البسر فأكله رطبًا لم يحنث، وكذا الرطب إذا صار تمرًا واللبن شيرازًا. حلف لا يأكل من هذا الحمل فصار كبشًا فأكله حنث. حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها ودبسها غير المطبوخ، ومن هذه الشاة فعلى اللحم واللبن والزبد، ولا يدخل بيض السمك في البيض، والشراء كالأكل. حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن في الهواء انعقدت يمينه وحنث للمحال حلف ليأتينه إن استطاع فهي على استطاعة الصحة. حلف ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته؛ ولو قال: إن أكلت، أو شربت، أو لبست، أو كلمت، أو تزوجت، أو خرجت ونوى شيئًا بعينه لم يصدق؛ ولو قال: إن أكلت طعامًا، أو شربت شرابًا، أو لبست ثوبًا، ونحو ذلك ونوى شيئًا دون شيء صدق ديانةً خاصةً، والريحان اسم لما لا ساق له فلا يحنث بالياسمين والورد. والورد والبنفسج هو الورق. والخاتم النقرة ليس بحلي، والذهب حلي، والعقد اللؤلؤ ليس بحلي حتى يكون مرصعًا. حلف لا ينام على فراش فجعل عليه فراشًا آخر ونام لم يحنث، وأن جعل قرامًا فنام حنث، والضرب والكلام والكسوة والدخول عليه يتقيد بحال الحياة. حلف ليضربنه حتى يموت أو حتى يقتله فهو على أشد الضرب. حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو مد شعرها أو عضها حنث. حلف لا يصوم فنوى وصام ساعةً حنث، وإن قال صوما لم يحنث إلا بتمام اليوم. حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث ما لم يسجد؛ ولو قال: صلاةً لم يحنث إلا بتمام ركعتين. ومن قال لأمته: إن ولدت ولدًا فأنت حرة فولدت ولدًا ميتًا عتقت، وكذلك الطلاق، ولو قال: فهو حر فولدت ميتًا ثم حيًا عتق الحي؛ ومن قال: من بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشره جماعة متفرقون عتق الأول، وإن بشروه جميعًا عتقوا؛ ولو قال: من أخبرني عتقوا في الوجهين. قال: إن تسريت جاريةً فهي حرة فتسرى جاريةً كانت في ملكه عتقت، ولو اشتراها وتسرى بها لم تعتق. حلف لا يتزوج فزوجه غيره بغير أمره، فإن أجاز بالقول حنث، وإن أجاز بالفعل لا يحنث، ولو أمر غيره أن يزوجه حنث، وكذلك الطلاق والعتاق. حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة وكذلك ابنه وابنته الصغيرين، وفي الكبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة. حلف لا يضرب عبده فوكل به حنث، وإن نوى أن لا يباشره بنفسه صدق قضاءً. ولو حلف لا يضرب ولده فأمر به لم يحنث؛ وذبح الشاة كضرب العبد. حلف لا يبيع فوكل به لم يحنث، وكذا سائر المعاوضات المالية. حلف لا يبيع فباع ولم يقبل المشتري لا يحنث، وكذلك الإجارة والصرف والسلم والرهن والنكاح والخلع، ولو وهب أو تصدق، أو أعار فلم يقبل حنث. حلف ليقضين دينه إلى قريب فما دون الشهر، وبعيد أكثر من الشهر، وإن قال: ليقضينه اليوم ففعل، وبعضها زيوف، أو نبهرجة، أو مستحقة لم يحنث، ولو كان رصاصًا أو ستوقةً حنث. حلف لا يقبض دينه متفرقًا فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض باقيه، وإن قبضه في وزنتين متعاقبًا لم يحنث. حلف لا يفعل كذا تركه أبدًا، وإن قال: لأفعلنه بر بواحدة. استحلف الوالي رجلًا ليعلمنه بكل مفسد فهو على حال ولايته خاصةً. حلف ليهبنه ففعل ولم يقبل بر، وكذلك القرض والعارية والصدقة.
ولو نذر نذرًا مطلقًا فعليه الوفاء به، وكذلك إن علقه بشرط فوجد. وعن أبي حنيفة رحمه الله آخرًا: أنه يجزئه كفارة يمين إذا كان شرطًا لا يريد وجوده، ولو نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة
وهي عقوبة مقدرة وجبت حقًا لله تعالى. والزنا: وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته، ويثبت بالبينة والإقرار. والبينة: أن يشهد أربعة على رجل وامرأة بالزنا، فإذا شهدوا يسألهم القاضي عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه والمزني بها، فإذا بينوا ذلك، وذكروا أنها محرمة عليه من كل وجه، وشهدوا به كالميل في المكحلة، وعدلوا في السر والعلانية حكم به، فإن نقصوا عن أربعة فهم قذفة، وإن رجعوا قبل الرجم سقط وحدوا، وإن رجعوا بعد الرجم يضمنون الدية، وإن رجع واحد فربعها، وإن شهدوا بزنًا متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل. ويثبت بالإقرار، وهو أن يقر العاقل البالغ أربع مرات في أربع مجالس يرده القاضي في كل مرة حتى لا يراه، ثم يسأله كما يسأل الشهود إلا عن الزمان، فإذا بين ذلك لزمه الحد. وإذا رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلى سبيله. ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع كقوله له: لعلك وطئت بشبهة، أو قبلت، أو لمست. وحد الزاني إن كان محصنًا الرجم بالحجارة حتى يموت، يخرج إلى أرض فضاء، فإن كان ثبت بالبينة يبتدىء الشهود ثم الإمام ثم الناس، فإذا متنع الشهود أو بعضهم لا يرجم، وإن ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس، وإن لم يكن محصنًا فحده الجلد مائة للحر وخمسون للعبد، ويضرب بسوط لا ثمرة له ضربًا متوسطًا يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه، ويجرد عن ثيابه إلا الإزار، ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو، وإن حفر لها في الرجم جاز، ويضرب الرجل قائمًا في جميع الحدود، ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم، ولا يجمع على غير المحصن الجلد والنفي إلا أن يراه الإمام مصلحةً فيفعله بما يراه، ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام، وإذا كان الزاني مريضًا، فإن كان محصنًا رجم، وإلا لا يجلد حتى يبرأ، والمرأة الحامل لا تحد حتى تضع حملها، فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها، وإن كان الرجم فعقيب الولادة، وإن لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغني عنها. وإحصان الرجم: الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول، وهو الإيلاج في القبل في نكاح صحيح وهما بصفة الإحصان. ويثبت الإحصان بالإقرار، أو بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين؛ وكذلك إن كان بينهما ولد معروف.
ومن وطىء جارية ولده وإن سفل وقال: علمت أنها على حرام، أو وطىء جارية أبيه وإن علا أو أمه أو زوجته أو سيده أو معتدته عن ثلاث وقال: ظننت أنها حلال لم يحد، ولو قال: علمت أنها حرام حد؛ وفي جارية الأخ والعم يحد بكل حال، ولو استأجر امرأة ليزني بها وزنى بها، أو وطىء أجنييةً فيما دون الفرج، أو لاط فلا حد عليه ويعزر، ولو زفت إليه غير امرأته فوطئها لا يحد وعليه المهر؛ ولو وجد على فراشه امرأةً فوطئها حد؛ والزنا في دار الحرب والبغي لا يوجب الحد؛ وواطىء البهيمة يعزر، ولو زنى بصبية أو مجنونة حد؛ ولو طاوعت العاقلة البالغة صبيًا أو مجنونًا لا يحد. وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطًا، وأقله ثلاثة، والتعزير أشد الضرب، ثم حد الزنا، ثم حد الشرب، ثم حد القذف.
وهو ثمانون سوطًا للحر وأربعون للعبد، ويجب بقذف المحصن بصريح الزنا، وتجب إقامته بطلب المقذوف، ويفرق عليه ولا ينرع عنه إلا الفرو والحشو، ويثبت بإقراره مرةً واحدةً، وبشهادة رجلين، ولا يبطل بالتقادم والرجوع. وإحصان القذف: العقل والبلوغ والحرية والإسلام والعفة عن الزنا؛ ومن قال لغيره: يا ابن الزانية، أو لست لأبيك حد، ولا يطالب بقذف الميت إلا من يقع القدح بقذفه في نسبه؛ وليس للابن والعبد أن يطالب أباه أو سيده بقذف أمه الحرة. ومن وطىء وطئًا حرامًا في غير ملكه والملاعنة بولد لا يحد قاذفهما، وإن لاعنت بغير ولد حد، والمستأمن يحد بالقذف، وإذا مات المقذوف بطل الحد، ولا يورث، ولا يصح العفو عنه ولا الاعتياض. ومن قال لمسلم: يا فاسق، أو يا خبيث، أو يا كافر، أو يا سارق، أو يا محنث عزر؛ وكذلك يا حمار يا خنزير إن كان فقيهًا أو علويًا. ومن حده الإمام أو عزره فمات فهو هدر. وللزوج أن يعزر زوجته على ترك الزينة، وترك إجابته إلى فراشه، وترك غسل الجنابة، وعلى الخروج من المنزل، ومن سرق، أو زنى، أو شرب غير مرة فحد فهو للكل.
وهو كحد الزنا كيفيةً، وحد القذف كميةً وثبوتًا، غير أنه يبطل بالرجوع والتقادم في البينة والإقرار، والتقادم بذهاب السكر والرائحة، فلو أخذ وريحها توجد منه فلما وصل إلى الإمام انقطعت لبعد المسافة حد، ويحد بشرب قطرة من الخمر، وبالسكر من النبيذ؛ والسكران من لا يعرف الرجل من المرأة، والأرض من السماء؛ ولا يحد حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعًا، ولا يحد حتى يزول عنه السكر، ولا يحد من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها.
المحرم منها الخمر وهي النىء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. الثاني: العصير إذا طبخ فذهب أقل من ثلثه وهو الطلاء، وإن ذهب نصفه فالمنصف. الثالث: السكر، وهو النىء من ماء الرطب إذا غلا كذلك. الرابع: نقيع الزبيب، وهو النىء من ماء الزبيب إذا غلا واشتد كذلك، وحرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر فيجوز بيعها وتضمن بالإتلاف، ولا يحد شاربها حتى يسكر، ولا يكفر مستحلها؛ ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أدنى طبخة حلال، وإن اشتد إذا شرب ما لم يسكر من غير لهو. وعصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه حلال، وإن اشتد إذا قصد به التقوى، وإن قصد به التلهي فحرام. ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلال طبخ أو لا؛ وفي حد السكران منه روايتان؛ ويكره شرب دردي الخمر والامتشاط به. ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، وخل الخمر حلال سواء تخللت أو خللت.
وهي أخذ العاقل البالغ نصابًا محرزًا، أو ما قيمته نصابًا ملكًا للغير لا شبهة له فيه على وجه الحفية. والنصاب دينار أو عشرة دراهم مضروبةً من النقرة. والحرز يكون بالحافظ وبالمكان كالدور والبيوت والحانوت، ولا يعتبر فيه الحافظ. وإذا سرق من الحمام ليلًا قطع، وبالنهار لا وإن كان صاحبه عنده؛ والمسجد والصحراء حرز بالحافظ، والجوالق والفسطاط كالبيت، فإن سرق الفسطاط والجوالق لا يقطع إلا أن يكون لهما حافظ، ولهذا قالوا: لا يقطع النباش، وتثبت السرقة بما يثبت به القذف، ويسأل الشهود عن كيفيتها وزمانها ومكانها وماهيتها، ولا بد من حضور المسروق منه عند الإقرار والشهادة والقطع. وإذا دخل جماعة الحرز وتولى بعضهم الأخذ قطعوا إن أصاب كل واحد نصاب؛ وإن نقب فأدخل يده وأخرج المتاع، أو دخل فناول المتاع آخر من خارج لم يقطع، وإن ألقاه في الطريق ثم أخذه قطع، ولو حمله على حمار وساقه قطع، وإن أدخل يده في صندوق الصيرفي أو كم غيره وأخذ قطع. ولا قطع فيما يوجد تافهًا في دار الإسلام: كالحطب والسمك والصيد والطير والنورة والزرنيخ ونحوها، ولا ما يتسارع إليه الفساد: كالفواكه الرطبة واللبن واللحم، ولا ما يتأول فيه الإنكار: كالأشربة المطربة، وآلات اللهو والنرد والشطرنج، وصليب الذهب، ولا في سرقة المصحف المحلى، والصبي الحر المحلى. ولا في سرقة العبد، ولا في سرقة الزرع قبل حصاده والثمرة على الشجر ولا في كتب العلم؛ ويقطع في الساج والقنا والأبنوس والصندل والعود والياقوت والزبرجد والفصوص كلها، والأواني المتخذة من الخشب؛ ولا قطع على خائن، ولا نباش، ولا منتهب، ولا مختلس ولا من سرق من ذي رحم محرم، أو من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته، أو زوجته، أو مكاتبه، أو من بيت المال، أو من الغنيمة، أو من مال له فيه شركة. وتقطع يمين السارق من الزند وتحسم، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد لم يقطع ويحبس حتى يتوب. فإن كان أقطع اليد اليسرى أو أشلها أو إبهامها أو أصبعين سواها، وفي رواية ثلاث أصابع أو أقطع الرجل اليمنى أو أشلها أو بها عرج يمنع المشي عليها لم تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى. وإن اشترى السارق المسروق أو وهب له أو ادعاه لم يقطع، وإذا قطع والعين قائمة في يده ردها، وإن كانت هالكةً لم يضمنها؛ ومن قطع في سرقة ثم سرقها وهي بحالها لم يقطع، وإن تغير حالها كما إذا غزلًا فنسج قطع.
إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا؛ وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ وإن قتلوا ولم يأخذوا مالًا قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء؛ وإن قتلوا وأخذوا المال قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، أو قتلهم، أو صلبهم. ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت، ولا يطلب أكثر من ثلاثة أيام؛ وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل، وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء.
الجهاد فرض عين عند النفير العام وكفاية عند عدمه، وقتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حر قادر، وإذا هجم العدو وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة والعبد بغير إذن الزوج والسيد، ولا بأس بالجعل إذا كان بالمسلمين حاجة؛ وإذا حاصر المسلمون أهل الحرب في مدينة أو حصن دعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا كفوا عن قتالهم، وإن لم يسلموا دعاهم إلى أداء الجزية إن كانوا من أهلها وبينوا لهم كميتها ومتى تجب، فإن قبلوها فلهم مالنا وعليهم ما علينا، ويجب أن يدعو من لم تبلغه الدعوة، ويستحب ذلك لمن بلغته، فإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم وحرقوهم ورموهم، وإن تترسوا بالمسلمين، ويقصدون به الكفار؛ وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا، ولا يغلوا، ولا يمثلوا، ولا يقتلو مجنونًا، ولا امرأةً، ولا صبيًا، ولا أعمى، ولا مقعدًا، ولا مقطوع اليمين، ولا شيخًا فانيًا، إلا أن يكون أحد هؤلاء ملكًا، أو ممن يقدر على القتال أو يحرض عليه، أو له رأي في الحرب، أو مال يحث به أو يكون الشيخ ممن يحتال. وإذا كان للمسلمين قوة لا ينبغي لهم موادعة أهل الحرب، وإن لم يكن لهم قوة فلا بأس به، فإن وادعهم ثم رأى القتال أصلح نبذ إلى ملكهم، وإن بدءوا بخيانة وعلم ملكهم بها قاتلهم من غير نبذ. ويجوز أن يوادعهم بمال وبغيره، وما أخذوه قبل محاصرتهم فهو كالجزية وبعدها كالغنيمة، وإن دفع إليهم مالًا ليوادعوه جاز عند الضرورة، والمرتدون إذا غلبوا على مدينة، وأهل الذمة إذا نقضوا العهد كالمشركين في الموادعة، ويكره بيع السلاح والكراع من أهل الحرب وتجهيزه إليهم قبل الموادعة وبعدها. وإذا أمن رجل أو امرأة كافرًا أو جماعةً أو أهل مدينة صح، فإن كان فيه مفسدة أدبه الإمام ونبذ إليهم، ولا يصح أمان ذمي، ولا أسير، ولا تاجر فيهم، ولا من أسلم عندهم وهو فيهم، ولا أمان عبد محجور عن القتال، ولا أمان للمراهق. وإذا فتح الإمام بلدةً عنوةً إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمةً للمسلمين، ولا يفادون بأسرى المسلمين ولا بالمال إلا عند الحاجة إليه؛ وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها، ويحرق الأسلحة. ولا تقسم غنيمة في دار الحرب، ولا يجوز بيعها قبل القسمة. ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا سهم له، وإن مات بعد إحرازها بدارنا فنصيبه لورثته. والردء والمقاتل في الغنيمة سواء وإذا لحقهم مدد في دار الحرب شاركوهم فيها، وليس للسوقة سهم إلا أن يقاتلوا، فإذا لم يكن للإمام ما يحمل عليه الغنائم أودعها الغانمين ليخرجوها إلى دار الإسلام، ثم يقسمها، ويجوز للعسكر أن يعلفوا في دار الحرب، ويأكلوا الطعام، ويدهنوا بالدهن، ويقاتلوا بالسلاح، ويركبوا الدواب، ويلبسوا الثياب إذا احتاجوا إلى ذلك، فإذا خرجوا إلى دار الإسلام لم يجز لهم شيء ومن ذلك، ويردون ما فضل معهم قبل القسمة، ويتصدقون به بعدها.
ينبغي للإمام أو نائبه أن يعرض الجيش عند دخوله دار الحرب ليعلم الفارس من الراجل، فمن مات فرسه بعد ذلك فله سهم فارس، وإن باعه أو وهبه أو رهنه أو كان مهرًا أو كبيرًا أو مريضًا لا يستطيع القتال عليه فله سهم راجل، ومن جاوز راجلًا ثم اشترى فرسًا فله سهم راجل، وتقسم الغنيمة أخماسًا: أربعة منها للغانمين، للفارس سهمان، وللراجل سهم، ولا يسهم لبغل ولا راحلة، ولا يسهم إلا لفرس واحد، والمملوك والصبي والمكاتب يرضخ لهم دون سهم إذا قاتلوا، وللمرأة إن داوت الجرحى، وللذمي إن أعان المسلمين أو دلهم على عورات الكفار والطريق؛ والخمس الآخر يقسم ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأباء السبيل، ومن كان من أهل القربى بصفتهم يقدم عليهم. وإذا دخل جماعة لهم منعة دار الحرب فأخذوا شيئًا خمس وإلا فلا، ويجوز التنفيل قبل إحراز الغنيمة، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، فيقول الإمام: من قتل قتيلًا فله سلبه، أو من أصاب شيئًا فله ربعه وبعد الإحراز ينفل من الخمس، وسلب المقتول: سلاحه وثيابه وفرسه وآلته وما عليه ومعه من قماش ومال، وإذا لم ينفل بالسلب فهو من جملة الغنيمة. وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء، وبعدها بالقيمة إن شاء، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء آخذه بثمنه، وإن شاء ترك، وإن وهب له أخذه بالقيمة. وإن غلب بعض أهل الحرب بعضًا وأخذوا أموالهم ملكوها، ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا، وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه، وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا. وإذا اشترى المستأمن عبدًا مسلمًا وأدخله دار الحرب عتق عليه؛ وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم، فإن أخذ شيئًا وأخرجه تصدق به.
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان يقول له الإمام: إن أقمت سنةً وضعت عليك الجزية، فإن أقام صار ذميًا،، ولا يمكن من العود إلى دار الحرب، وكذلك إن وقت الإمام دون السنة فأقام، وكذلك إذا اشترى أرض خراج فأدى خراجها؛ وإذا تزوجت الحربية بذمي صارت ذميةً؛ ولو تزوج حربي بذمية لا يصير ذميًا. والجزية ضربان: ما يوضع بالتراضي فلا يتعدى عنها، وجزية يضعها الإمام إذا غلب الكفار وأقرهم على ملكهم، فيضع على الظاهر الغنى في كل سنة ثمانيةً وأربعين درهمًا، وعلى المتوسط أربعةً وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثنى عشر درهمًا، وتجب في أول الحول وتؤخذ في كل شهر بقسطه، وتوضع على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم، ولا يجوز من العرب والمرتدين، ولا جزية على صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، ولا مكاتب، ولا زمن، ولا أعمى، ولا مقعد، ولا شيخ كبير، ولا الرهابين المنعزلين، ولا فقير غير معتمل، وتسقط بالموت والإسلام، وإذا اجتمعت حولان تداخلت. وينبغي أن تؤخذ الجزية على وصف الذل والصغار، ويقول له: أعط الجزية يا عدو الله، ولا ينتقض عهدهم إلا باللحاق بدر الحرب، أو إن تغلبوا على موضع فيحاربوننا فتصير أحكامهم كالمرتدين، إلا أنه إذا ظفرنا بهم نسترقهم ولا نجبرهم على الإسلام؛ ويؤخذ أهل الجزية بما يتميزون به عن المسلمين في ملابسهم ومراكبهم. ولا يركبون الخيل إلا لضرورة ولا يحملون السلاح، ولا تحدث كنيسة ولا صومعة ولا بيعة في دار الإسلام، وإذا انهدمت القديمة أعادوها، ويؤخذ من نصارى بني تغلب ضعف زكاة المسلمين، ويؤخذ من نسائهم ويضعف عليهم العشر، ومولاهم في الجزية والخراج كمولى القرشي، وتصرف الجزية والخراج وما يؤخذ من بني تغلب ومن الأراضي التي أجلي أهلها عنها، وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام في مصالح المسلمين، مثل أرزاق المقاتلة وذراريهم، وسد الثغور، وبناء القناطر والجسور، وإعطاء القضاة والمدرسين والعلماء والمفتين والعمال قدر كفايتهم.
أرض العرب أرض عشر، وهي ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام. والسواد أرض خراج، وهي ما بين العذيب إلى عقبة حلوان، ومن العلث أو الثعلبية إلى عبادان. وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز تصرفهم فيها: وكل أرض أسلم أهلها عليها أو فتحت عنوةً وقسمت بين الغانمين فهي عشرية وما فتح عنوةً وأقر أهلها عليها أو صالحهم فهي خراجية سوى مكة شرفها الله تعالى. ومن أحيا مواتًا يعتبر بحيزها، ولا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة، ولا يتكرر الخراج بتكرر الخارج، والعشر يتكرر؛ وإذا غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها أو أصاب الزرع آفة فلا خراج، وإن عطلها مالكها فعليه خراجها. والخراج: مقاسمة فيتعلق بالخارج كالعشر. ووظيفة ولا يزاد على ما وظفه عمر رضي الله عنه، وهو على كل جريب يبلغه الماء صاع ودرهم، وجريب الرطبة خمسة دراهم، والكرم والنخل المتصل عشرة دراهم، وما لم يوظفه عمر رضي الله عنه يوضع عليه بحسب الطاقة، ونهاية الطاقة نصف الخارج فلا يزاد عليه، وينقص منه عند العجز، وإذا اشترى المسلم أرض خراج أو أسلم الذمي أخذ منه الخراج.
وإذا ارتد المسلم، والعياذ بالله، يحبس ويعرض عليه الإسلام وتكشف شبهته، فإن أسلم وإلا قتل، فإن قتله قاتل قبل العرض لا شيء عليه. وإسلامه أن يأتي بالشهادتين ويتبرأ عن جميع الأديان سوى دين الإسلام أو عما انتقل إليه، ويزول ملكه عن أمواله زوالًا مراعىً، فإن أسلم عادت إلى حالها، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقلت أكسابه في الإسلام إلى ورثته المسلمين، وأكساب الردة فىء، وتقضى ديون الإسلام من كسب الإسلام، وديون الردة من كسبها، فإن عاد مسلمًا فما وجده في يد وارثه من ماله أخذه. وإسلام الصبي العاقل وارتداده صحيح، ويجبر على الإسلام ولا يقتل، والمرتدة لا تقتل، وتحبس وتضرب في كل الأيام حتى تسلم، ولو قتلها إنسان لا شيء عليه ويعزر، وتصرفها في مالها جائز، فإن لحقت أو ماتت فكسبها لورثتها.
الكافر إذا صلى بجماعة أو أذن في مسجد أو قال: أنا معتقد حقيقة الصلاة في جماعة يكون مسلمًا. وإذا خرج قوم من المسلمين عن طاعة الإمام وتغلبوا على بلد دعاهم إلى الجماعة وكشف شبهتهم، ولا يبدؤهم بقتال، فإن بدءوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم، فإن اجتمعوا وتعسكروا بدأهم؛ فإذا قاتلهم فإن كان لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم، ولا تسبى لهم ذرية، ولا يغنم لهم مال، ويحبسها حتى يتوبوا فيردها عليهم، ولا بأس بالقتال بسلاحهم وكراهم عند الحاجة إليه؛ وإذا قتل العادل الباغي ورثه، وكذلك إن قتله الباغي وقال: أنا على حق، وإن قال: أنا على الباطل لم يرثه.
المكروه عند محمد حرام، وعندهما هو إلى الحرام أقرب، والنظر إلى العورة حرام إلا عند الضرورة كالطبيب والخاتن والخافضة والقابلة، وقد بينا العورة في الصلاة. وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا العورة، وتنظر المرأة من المرأة والرجل إلى ما ينظر الرجل من الرجل، وينظر من زوجته وأمته التي تحل له إلى جميع بدنها، وينظر من ذوات محارمه وأمة الغير إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين والشعر، ولا بأس بأن يمس ما يجوز إليه إذا أمن الشهوة، ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد، ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة؛ والعبد مع سيدته كالأجنبي، والفحل والخصي والمجبوب سواء، ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو شيئًا منه أو يعانقه ولا بأس بالمصافحة، ولا بأس بتقبيل يد العالم والسلطان العادل. ويحل للنساء لبس الحرير ولا يحل للرجال إلا مقدار أربع أصابع كالعلم ولا بأس بتوسده وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز؛ ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة، ولا يجوز للرجال إلا الخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة وكتابة الثوب من ذهب أو فضة وشد الأسنان بالفضة، ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير، ولا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة، ويستوي فيه الرجال والنساء، ولا بأس بآنية العقيق والبلور والزجاج والرصاص، ويجوز الشرب في الإناء المفضض والجلوس على السرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة.
ويكره في أقوات الآدميين والبهائم في موضع يضر بأهله، ولا احتكار في غلة ضيعته وما جلبه؛ وإذا رفع إلى القاضي حال المحتكر يأمره ببيع ما يفضل عن قوته وعياله، فإن امتنع باع عليه. ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس إلا أن يتعدى أرباب الطعام تعديًا فاحشًا في القيمة فلا بأس بذلك بمشورة أهل الخبرة به؛ ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا؛ ومن حمل خمرًا لذمي طاب له الأجر، ولا بأس ببيع السرقين، ولا باس ببيع بناء بيوت مكة، ويكره بيع أرضها؛ ويقبل في المعاملات قول الفاسق، ولا يقبل في الديانات إلا قول العدل حرًا كان أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى. ويقبل في الهدية والإذن قول الصبي والعبد والأمة. ويعزل عن أمته بغير إذنها، وعن زوجته بإذنها، ويكره استخدام الخصيان؛ ويكره اللعب بالنرد والشطرنج وكل لهو، ووصل الشعر بشعر الآدمي حرام؛ ويكره أن يدعو الله إلا به، أو يقول في دعائه: أسألك بمقعد العز من عرشك، ورد السلام فريضة على كل من سمع السلام إذا قام به بعض القوم سقط عن الباقين. والتسليم سنة ونواب المسلم أكثر؛ ويكره السلام على أهل الذمة، ولا باس برد السلام على أهل الذمة ومن دعاه السلطان أو الأمير ليسأله عن أشياء لا ينبغي أن يتكلم بغير الحق؛ واستماع الملاهي حرام؛ ويكره تعشير المصحف ونقطه، ولا بأس بتحليته، ولا بأس بنقش المسجد، ولا بأس بدخول الذمي المسجد الحرام أو غيره من المساجد. والسنة: تقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة والشارب، وقصه أحسن ولا بأس بدخول الحمام للرجال والنساء إذا اتزر وغض بصره.
تجوز المسابقة على الأقدام والخيل والبغال والحمير والإبل وبالرمي، فإن شرط فيه جعل من أحج الجانبين أو من ثالث لأسبقهما فهو جائز، وإن شرط من الجانبين فهو قمار إلا أن يكون بينهما محلل بفرس كفء لفرسيهما يتوهم سبقه لهما إن سبقهما أخذ منهما، وإن سبقاه لم يعطهما، وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه، وعلى هذا التفصيل إذا اختلف فقيهان في مسألة وأرادا الرجوع إلى شيخ وجعلا على ذلك جعلًا.
وأفضل أسباب الكسب: الجهاد ثم التجارة ثم الزراعة ثم الصناعة. ثم هو فرض، وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه، ومستحب، والزيادة على ذلك ليواسي به فقيرًا، أو يجازي به قريبًا. ومباح، وهو الزيادة للتجمل والتنعم. ومكروه، وهو الجمع للتفاخر والتكاثر والبطر والأشر وإن كان من حل. أما الأكل فعلى مراتب: فرض، وهو ما يندفع به الهلاك. ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائمًا ويسهل عليه الصوم. ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن. وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد التقوى على صوم الغد أو لئلا يستحي الضيف؛ ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء الفرائض، ومن امتنع من أكل الميتة حالة المخمصة، أو صام لم يأكل حتى مات أثم؛ ومن امتنع من التداوي حتى مات لم يأثم ولا بأس بالتفكه بأنواع الفواكه، وتركه أفضل، واتخاذ ألوان الأطعمة والباجات ووضع الخبز على المائدة أكثر من الحاجة سرف، ووضع المملحة على الخبز، ومسح الأصابع والسكين به مكروه، ولكن يترك الملح على الخبز. وسنن الطعام البسملة في أوله، والحمدلة في آخره وغسل اليدين قبله وبعده. ويستحب اتخاذ الأوعية لنقل الماء إلى البيوت، واتخاذها من الخزف أفضل، وينفق على نفسه وعياله بلا سرف ولا تقتير، ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ففرض على كل من علم به أن يطعمه أو يدل عليه من يطعمه فإن قدر على الكسب يلزمه أن يكتسب، وإن عجز عنه لزمه السؤال، فإن ترك السؤال حتى مات أثم، ومن كان له قوت يومه لا يحل له السؤال، ويكره إعطاء سؤال المساجد وإن كان لا يتخطى الناس ولا يمشي بين يدي المصلين لا يكره؛ ولا يجوز قبول هدية أمراء الجور، إلا إذا علم أن أكثر ماله حلال، ووليمة العرس سنة، وينبغي لمن دعي أن يجيب، فإن لم يفعل أثم، ولا يرفع منها شيئًا، ولا يعطى سائلًا إلا بإذن صاحبها؛ ومن دعي إلى وليمة عليها لهو إن علم به لا يجيب، وإن لم يعلم حتى حضر إن كان يقدر على منعهم فعل، وإن لم يقدر فإن كان اللهو على المائدة لا يقعد؛ وإن لم يكن على المائدة، فإن كان مقتدىً به لا يقعد، وإن لم يكن مقتدىً به فلا بأس بالقعود.
الكسوة: منها فرض، وهو ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد، وينبغي أن يكون من القطن أو الكتان بين النفيس والدنىء. ومستحب، وهو ستر العورة، وأخذ الزينة. ومباح، وهو الثوب الجميل للتزين به في الجمع والأعياد ومجامع الناس. ومكروه، وهو اللبس للتكبر والخيلاء. ويستحب الأبيض من الثياب، ويكره الأحمر والمعصفر. والسنة: إرخاء طرف العمامة بين كتفيه، وإذا أراد أن يجدد لفها نقضها كما لفها.
الكلام منه ما يوجب أجرًا كالتسبيح والتحميد، وقراءة القرآن، والأحاديث النبوية وعلم الفقه، وقد يأثم به إذا فعله في مجلس الفسق وهو يعمله، وإن سبح فيه للاعتبار والإنكار، وليشتغلوا عما هم فيه من الفسق فحسن. ويكره فعله التاجر عند فتح متاعه، ويكره الترجيع بقراءة القرآن والاستماع إليه. ومنه ما لا أجر فيه ولا وزر كقولك: قم واقعد، وأكلت وشربت ونحوه. ومنه ما يوجب الإثم كالكذب والنميمة والغيبة والشتيمة، ثم الكذب محظور إلا في القتال للخدعة، وفي الصلح بين اثنين، وفي إرضاء الرجل الأهل، وفي دفع الظالم عن الظلم. ويكره التعريض بالكذب إلا لحاجة. ولا غيبة لظالم يؤذي الناس بقوله وفعله، ولا إثم في السعي به إلى السلطان ليزجره. ولا غيبة إلا لمعلومين، فلو اغتاب أهل قرية فليس بغيبة؛ وإذا أدى الفرائض وأحب أن يتنعم بمنظر حسن وجوار جميلة فلا بأس به، ومن قنع بأدنى الكفاية، وصرف الباقي إلى ما ينفعه في الآخرة فهو أولى.
وهو جائز بالجوارح المعلمة والسهام المحددة لما يحل أكله لأكله وما لا يحل أكله لجلده وشعره، والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير، ولا بد فيه من الجرح، وكون المرسل أو الرامي مسلمًا أو كتابيًا، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي، وأن يكون الصيد ممتنعًا، ولا يتوارى عن بصره، ولا يقعد عن طلبه، وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل؛ وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل، والإجابة إذا دعي. ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك، ولا تأقبت فيه، فإن أكل أو ترك لإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ما بقي من صيده قبل ذلك، وإن ترك التسمية ناسيًا حل، ولو رمى بسهم واحد صيودًا، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله، ولو أرسله ولم يسم ثم زجره وسمى، أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أو بالعكس، فالمعتبر حالة الإرسال، فإن أكل منه الكلب لم يؤكل، ولو شرب دمه أكل، ولو أخذ منه قطعةً فرماها ثم أخذ الصيد وقتله ثم أكل ما ألقاه أكل، وإن أكل منه البازي يؤكل، وإن أدركه حيًا لا يحل إلا بالتذكية وكذلك في الرمي، وإن شارك كلبه كلب لم يذكر عليه اسم الله، أو كلب مجوسي، أو غير معلم لم يؤكل؛ ولو سمع حسًا فظنه آدميًا فرماه، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل؛ وإذا وقع الصيد في الماء أو على سطح أو جبل أو سنان رمح، ثم تردى إلى الأرض لم يؤكل؛ ولو وقع ابتداءً على الأرض أكل؛ وفي طير الماء إن أصاب الماء الجرح لم يؤكل وإلا أكل، ولا يؤكل ما قتلته البندقة والحجر والعصا والمعراض بعرضه. فإن خزق المعراض الجلد بحده أكل، وإن رماه بسيف أو سكين فأبان عضوًا منه أكل الصيد، ولا يؤكل العضو، وإن قطعه نصفين أكل، وإن قطعه أثلاثًا أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس؛ ومن رمى صيدًا فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل، ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته، وإن لم يثخنه الأول أكل وهو للثاني.
والذكاة اختيارية، وهي الذبح في الحلق واللبة. واضطرارية، وهي الجرح في أي موضع اتفق؛ وشرطهما التسمية، وكون الذابح مسلمًا أو كتابيًا، فإن ترك التسمية ناسيًا حل؛ وإن أضجع شاةً وسمى فذبح غيرها بتلك التسمية لم تؤكل، وإن ذبح بشفرة أخرى أكل؛ ويكره أن يذكر مع اسم الله تعالى اسم غيره، وأن يقول: اللهم تقبل من فلان. والسنة نحر الإبل وذبح البقر والغنم، فإن عكس فذبح الإبل ونحر البقر والغنم كره ويؤكل. والعروق التي تقطع في الذكاة: الحلقوم والمرىء والودجان، فإن قطعها حل الأكل، وكذلك إذا قطع ثلاثةً منها؛ ويجوز الذبح بكل ما أفرى الأوداج وأنهر الدم، إلا السن القائمة والظفر القائم. ويستحب أن يحد شفرته، ويكره أن يبلغ بالسكين النخاع، أو يقطع الرأس وتؤكل؛ ويكره سلخها قبل أن تبرد، وما استأنس من الصيد فذكاته اختيارية، وما توحش من النعم فاضطرارية؛ وإذا كان في بطن المذبوح جنين ميت لم يؤكل، وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر جلده ولحمه إلا الخنزير والآدمي.
ولا يحل أكل كل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطير، ولا تحل الحمر الأهلية ولا البغال ولا الخيل، ويكره الرخم والبغاث والغراب والضب والسلحفاة والحشرات، ويجوز غراب الزرع والعقعق والأرنب والجراد، ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل الطافي من السمك.
وهي واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر، ويجب على كل واحد شاة. وإن اشترك سبعة في بقرة أو بدنة جاز إن كانوا من أهل القربة ويريدونها. ولو اشترى بقرةً للأضحية ثم أشرك فيها ستة أجزأه، ويقتسمون لحمها بالوزن، وتختص بالإبل والبقر والغنم، ويجزىء فيها ما يجزىء في الهدى، وتختص بأيام النحر، وهي ثلاثة: عاشر ذي الحجة وحادي عشره وثاني عشره أفضلها أولها، فإن مضت ولم يذبح، فإن كان فقيرًا وقد اشتراها تصدق بها حيةً، وإن كان غنيًا تصدق بثمنها اشتراها أو لا، ويدخل وقتها بطلوع الفجر أول أيام النحر، إلا أن أهل المصر لا يضحون قبل صلاة العيد، ويأكل من لحمها، ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر. ويكره أن يذبحها الكتابي؛ ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره جاز، ولو غلطا فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر جاز، ويأخذ كل واحد منهما أضحيته من صاحبه مذبوحةً ومسلوخةً ولا يضمنه، فإن أكلاها ثم علما فليتحللا ويجزيهما وإن تشاجرا ضمن كل لصاحبه قيمة لحمه.
القتل المتعلق بالأحكام خمسة: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطإ، والقتل بسبب. فالعمد: أن يتعمد الضرب بما يفرق الأجزاء: كالسيف والليطة والمروة والنار؛ وحكمه المأثم والقود، إلا أن يعفو الأولياء، أو وجوب المال عند المصالحة برضى القاتل في ماله، أو صلح بعضهم أو عفوه، فتجب بقية الدية على العاقلة، أو عند تعذر استيفائه لشبهة كقتل الأب ابنه فتجب الدية في ماله في ثلاث سنين؛ ولا كفارة في العمد. وشبه العمد: أن يتعمد الضرب بما لا يفرق الأجزاء: كالحجر والعصار واليد، وموجبه الإثم والكفارة والدية مغلظةً على العاقلة، وهو عمد فيما دون النفس. والخطأ أن يرمي شخصًا يظنه صيدًا، أو حربيًا فإذا هو مسلم، أو يرمي غرضًا فيصيب آدميًا، وموجبه الكفارة والدية على العاقلة، ولا إثم عليه. وما أجري مجرى الخطإ: مثل النائم ينقلب على إنسان فيقتله فهو كالخطإ والقتل بسبب: كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وفنائه فيعطب به إنسان، وموجبه الدية على العاقلة لا غير، وكل ذلك يوجب حرمان الإرث إلا القتل بسبب، ولو مات في البئر غمًا أو جوعًا فهو هدر، والكفارة عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. ويقتل الحر بالحر وبالعبد. والرجل بالمرأة، والصغير بالكبير، والمسلم بالذمي. ولا يقتلان بالمستأمن، ويقتل المستأمن بالمستأمن، ويقتل الصحيح بالزمن والأعمى وبالمجنون وبناقص الأطراف؛ ولا يقتل الرجل بولده، ولا بعبده، ولا بعبد ولده، ولا بمكاتبه؛ ومن ورث قصاصًا على أبيه سقط، والأم والأجداد والجدات من أي جهة كانوا كالأب، ومن جرح رجلًا عمدًا فمات فعليه القصاص، ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف، ولا قصاص على شريك الأب والمولى والخاطىء والصبي والمجنون وكل من لا يجب القصاص بقتله، وإذا قتل عبد الرهن فلا قصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن، وإذا قتل المكاتب عن وفاء وله ورثة غير المولى فلا قصاص أصلًا، وإن لم يترك وفاء فالقصاص للمولى، وإن قتل عن وفاء ولا وارث له إلا المولى فله القصاص، وإذا كان القصاص بين كبار وصغار فللكبار الاستيفاء وإذا قتل ولي الصبي والمعتوه فللأب أو القاضي أن يقتل أو يصالح، وليس له العفو، والوصي يصالح لا غير، ولا قصاص في التخنيق والتغريق، وتقتل الجماعة بالواحد، ويقتل الواحد بالجماعة اكتفاءً وإن قتله ولي أحدهم سقط حق الباقين، ومن رمى إنسانًا عمدًا فنفذ منه إلى آخر وماتا فالأول عمد والثاني خطأ.
ولا يجري القصاص في الأطراف إلا بين مستوى الدية إذا قطعت من المفصل وتماثلت. ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر إلا أن تقطع الحشفة؛ ولا قصاص في عظم إلا السن، فإن قلع يقلع، وإن كسر يبرد بقدره؛ ولا قصاص في العين إلا أن يذهب ضوؤها وهي قائمة بأن يوضع على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة المحماة حتى يذهب ضوؤها؛ ولا تقطع الأيدي بالي وتجب الدية؛ ومن قطع يميني رجلين قطعا يمينه وأخذا منه دية الأخرى بينهما، فإن قطعها أحدهما مع غيبة الآخر فللآخر دية يده؛ وإذا كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع، فالمقطوع إن شاء قطع المعيبة، وإن شاء أخذ دية يده، وكذلك لو كان رأس الشاج أصغر، ولو كان رأس الشاج أكبر فالمشجوج إن شاء أخذ بقدر شجته، وإن شاء أخذ أرشها؛ ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدًا قبل البرء أو خطًا بعده، أو قطع يده عمدًا ثم قتله خطًا أو عمدًا بعد البرء أخذ بالأمرين، ومن قطع يد غيره فعفا عن القطع ثم مات فعلى القاطع الدية في ماله، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه فهو عفو عن النفس، والشجة كالقطع. وإذا حضر أحد الوليين وأقام البينة على القتل ثم حضر الآخر فإنه يعيد البينة. رجلان أقر كل واحد منهما بالقتل فقال الولي: قتلتماه فله قتلهما، ولو كان مكان الإقرار شهادة فهو باطل؛ ولو رمى مسلمًا فارتد والعياذ بالله، ثم وقع السهم به ففيه الدية، ولو كان مرتدًا فأسلم لا شيء فيه؛ ولو رمى عبدًا فأعتقه مولاه ففيه القيمة.
الدية المغلظة خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون وحقاق وجذاع. وغير المغلظة عشرون ابن مخاض ومثلها بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع، أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم، ولا تجب الدية من شيء آخر؛ ودية المرأة نصف ذلك، ولا تغليظ إلا في الإبل؛ ودية المسلم والذمي سواء. وفي النفس الدية، وكذلك في الأنف والذكر والحشفة والعقل والشم والذوق والسمع والبصر واللسان، وبعضه إذا منع الكلام، والصلب إذا منع الجماع، أو انقطع ماؤه أو احدودب، وكذا إذا أفضاها فلم تستمسك البول؛ ومن قطع يد رجل خطًا ثم قتله قبل البرء خطًا ففيه دية واحدة، وما في البدن اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية، وما فيه أربعة ففي أحدها ربع الدية، وفي كل أصبع عشر الدية. وتقسم على مفاصلها، والكف تبع للأصابع، وفي كل سن نصف عشر الدية، فإن قلعها فنبتت أخرى مكانها سقط الأرش، وفي شعر الرأس إذا حلق فلم ينبت الدية، وكذلك اللحية والحاجبان والأهداب، وفي اليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوؤها الدية؛ وفي الشارب، ولحية الكوسج، وثدي الرجل، وذكر الخصي والعنين، ولسان الأخرس، واليد الشلاء، والعين العوراء، والرجل العرجاء، والسن السوداء، والأصبع الزائدة، وعين الصبي ولسانه وذكره إذا لم تعلم صحته حكومة عدل، وإذا قطع اليد من نصف الساعد ففي الكف نصف الدية، وفي الزائد حكومة عدل، ومن قطع أصبعًا فشلت أخرى، أو قطع يده اليمنى فشلت اليسرى فلا قصاص، وعمد الصبي والمجنون خطأ.
الشجاج عشرة: الخارصة، وهي التي تخرص الجلد. ثم الدامعة التي تخرج ما يشبه الدمع. ثم الدامية التي تخرج الدم. ثم الباضعة التي تبضع اللحم. ثم المتلاحمة التي تأخذ في اللحم. ثم السمحاق، وهو جلدة فوق العظم تصل إليها الشجة. ثم الموضحة التي توضح العظم ثم الهاشمة التي تهشم العظم. ثم المنقلة التي تنقل العظم بعد الكسر ثم الآمة التي تصل إلى أم الدماغ. ففي الموضة القصاص إن كانت عمدًا، وفي التي قبلها حكومة عدل، وفي الموضحة الخطا
نصف عشر الدية؛ وفي الهاشمة العشر؛ وفي المنقلة عشر ونصف؛ وفي الآمة الثلث، وكذا الجائفة، فإذا نفذت فثلثان، والشجاج يختص بالوجه والرأس والجائفة بالجوف والجنب والظهر، وما سوى ذلك جراحات فيها حكومة عدل؛ وحكومة العدل أن يقوم المجروح عبدًا سالمًا وسليمًا فما نقصت الجراحة من القيمة يعتبر من الدية، ومن شج رجلًا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل فيه أرش الموضحة؛ وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه لم تدخل، ويجب أرش الموضحة مع ذلك ولا يقتص من الموضحة والطرف حتى تبرأ، ولو شجه فالتحمت ونبت الشعر سقط الأرش. ومن ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا ميتًا ففيه غرة خمسون دينارًا على العاقلة ذكرًا كان أو أنثى، وإن ألقته حيًا ثم مات ففيه الدية على العاقلة وعليه الكفارة؛ وإن ألقته ميتًا ثم ماتت ففيه ديتها والغرة، وإن ماتت ثم ألقته ميتًا ففيها الدية ولا شيء فيه، وإن ماتت ثم خرج حيًا ثم مات فديتان، فإن ألقت جنينين ميتين ففيهما غرتان، فإن ألقت أحدهما ميتًا والآخر حيًا ثم مات ففي الميت الغرة وفي الحي دية كاملة، وتجب الغرة في سنة واحدة، وإن استبان بعض خلقه ولم يتم ففيه الغرة ولا كفارة في الجنين، وما يجب فيه موروث عنه، وفي جنين الأمة نصف عشر قيمته لو كان حيًا إن كان ذكرًا، وعشر قيمته لو كان أنثى.
ومن أخرج إلى طريق العامة روشنا أو ميزابًا أو كنيفًا أو دكانًا فلرجل من عرض الناس أن ينزعه، فإن سقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته، وإن أصابه طرف الميزاب الذي في الحائط فلا ضمان فيه، وإن أصابه الطرف الخارج ضمن، وإن أصابه الطرفان أو لا يعلم ضمن نصف الدية، ثم إن كان لا يستضر به أحد جاز له الانتفاع به، وإن كان يستضر به أحد يكره، وليس لأحد من أهل الدرب الغير النافذ أن يفعل ذلك إلا بأمرهم، ولو وضع جمرًا في الطريق ضمن ما أحرق في ذلك الموضع؛ وإذا مال حائط إنسان إلى طريق العامة فطالبه بنقضه مسلم أو ذمي فلم ينقضه في مدة أمكنه نقضه فيها حتى سقط ضمن ما تلف به. وإن بناه مائلًا ابتداءً فسقط ضمن من غير طلب، ويضمن الراكب ما وطئت الدابة بيدها أو رجلها، ولا يضمن ما نفحت بذنبها أو رجلها؛ وإن راثت في الطريق وهي تسير أو أوقفها لذلك فلا ضمان فيما تلف به، وإن أوقفها لغيره ضمن، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها وكذا السائق؛ وإذا وطئت دابة الراكب بيدها أو رجلها يتعلق به حرمان الميراث والوصية وتجب الكفارة؛ ولو ركب دابةً فنخسها آخر فأصابت رجلًا على الفور فالضمان على الناخس؛ وإن اجتمع السائق والقائد أو السائق والراكب فالضمان عليهما؛ وإذا اصطدم فارسان أو ماشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر؛ ولو تجاذبا حبلًا فانقطع وماتا فإن وقعا على ظهريهما فهما هدر، وإن سقطا على وجهيهما فعلى عاقلة كل واحد دية الآخر، وإن اختلفا فدية الواقع على وجهه على عاقلة الواقع على ظهره، وهدر دم الذي وقع على ظهره؛ وإن قطع آخر الحبل فماتا فديتهما على عاقلته.
إذا جنى العبد خطًا فمولاه إما أن يدفعه إلى ولي الجناية فيملكه أو يفديه بأرشها، وكذلك إن جنى ثانيًا وثالثًا، وإن جنى جنايتين فإما أن يدفعه إليهما يقتسمانه بقدر ما لكل واحد منهما من أرش جنايته، أو يفديه بأرشهما، وإن أعتقه المولى قبل العلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن الأرش، وبعد العلم يضمن جميع الأرش، وفي المدبر وأم الولد يضمن الأقل من قيمتهما ومن الأرش، وإن عاد فجنى وقد دفع القيمة بقضاء فلا شيء عليه، ويشارك ولي الجناية الثانية الأول فيما أخذ، وإن دفع المولى القيمة بغير قضاء، فإن شاء الثاني شارك الأول، وإن شاء اتبع المولى، ثم يرجع المولى على الأول، ومن قتل عبدًا خطًا فعليه قيمته لا يزاد على عشرة آلاف درهم إلا عشرة، وللأمة خمسة آلاف إلا عشرة، وإن كان أقل من ذلك فعليه قيمته، وما هو مقدر من الدية مقدر من قيمة العبد.
|